“دراما القضاء”: الحلقة الأخيرة من مسلسل نهاية الدّولة..

كتب حسن الدر في لبنان الكبير ـ

عام 2002 أصدرت سكرتارية الأمم المتحدة (لجنة حقوق الانسان في نيويورك) برئاسة أمينها العام الأسبق “كوفي عنان”، قرارًا نصّه الآتي: “يعتبر خليفة المسلمين علي بن ابي طالب أعدل حاكم ظهر في تاريخ البشرية” ودعت الحكام والملوك إلى الاقتداء بنهجه الانساني السليم في الحكم المتجلي بروح العدالة الاجتماعية والسلام..

وفي السياق نذكر شيئا مما ورد عن الامام علي في معايير اختيار القاضي العادل: (….ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة… وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج… ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل..)

بناء على ما تقدّم، ليس من الحكمة بمكان الاستناد إلى معايير “الامام علي” في تقييم أداء القضاة والمتقاضين في لبنان!

وللدلالة على عدم جواز مقارنة “عدل علي” بفوضى القضاء اللبناني نقرأ كلام وزير العدل القاضي “هنري الخوري” الذي حذّر أمس من “تحويل قضية انفجار المرفأ إلى «دراما قضائية» مسرحها مبنى قصر العدل، آسفا «لخرق حُرمة قصر العدل وأروقته، الأمر الذي لم يشهده لبنان من قبل” مشدّدا على «وجوب أن يبقى هذا القصر ملاذًا آمنًا للقضاة والمحامين والمتقاضين، بعيدًا عن أي ضغوطات مهما كانت».

ولأنّ قضيّة انفجار مرفأ بيروت أُشبعت بحثًا في التدليل على استنسابية القاضي “طارق البيطار” وازدواجية معاييره، يكفي أن ننظر إلى ما آلت إليه الأمور في لبنان على خلفية التحقيقات في ملف المرفأ لنرى حجم المأزق الذي وقعنا به، وهذه نتيجة طبيعية للمخالفة الصريحة لنصّ الدستور الذي أعطى لمجلس النواب حصرية محاكمة الرؤساء والوزراء على غرار حصرية حق مجلس القضاء الاعلى بمحاكمة القضاة.

في الإطار نفسه، كانت ملفتة تغريدة رئيس الجمهورية ميشال عون واستشهاده بقول للامام علي، وهي “لطشة” واضحة للثنائي الشيعي، واذا كانت العلاقة بين بعبدا وعين التينة متوترة أساسًا، فاللطشة أقوى لحزب الله، حليف عون، والذي يعبر مرارا وتكرارا عن مواقف واضحة من القاضي بيطار واستنسابيته.

تأتي تغريدة عون بعد سلسلة من المواقف “المرتابة” من الكلام الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، عقب أحداث الطيونة، والذي أثنى فيه على وفاء رئيس تيار المردة “سليمان فرنجية” ورفضه المشاركة في جلسة انتخابه رئيسا للجمهورية دون مشاركة الحزب، ما اعتبرته قيادات كثيرة في التيار الوطني الحر تزكية لفرنجية واعلانا غير مباشر عن تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية على حساب رئيس التيار الوطني جبران باسيل!

فهل دخل عون على خطّ مساندة باسيل في “الزكزكة لحزب الله؟

الرد على تغريدة رئيس الجمهورية جاء سريعا ومقتضبا من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي علّق: “على أن لا يكون القضاء قضاء السلطة، وما أدراك ما هي”..

أمّا رد مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية على تعليق بري فاقتضى من أستاذ البلاغة السياسية استدعاء ذاكرته الشعبية المكتظّة بالحكم البالغة: “الجمل بنية والجمال بنية والحمل بنية أخرى”.

جاء تعليق بري الأخير، مضافًا إلى تعليقه الأول، ليخرج رئيس الجمهورية من رماديته المعلنة إلى انحيازه المستتر تحت عناوين لا تمرّ على من خبر نوايا “عون” منذ ما قبل انتخابه رئيسا للبلاد.

وهذه الرمادية المكشوفة التي تحاول التستر على الايدي الخفية التي تدير بعض القضاة من داخل الغرف السوداء خدمة لمآرب سياسية أبعد ما تكون عن مبدأ فصل السلطات الذي يجاهر به الرئيس عون وفريقه الاستشاري، فلا تخفى على أي متابع سياسة “الكيل بمكيالين” التي يعتمدها فريق العهد، ويكفي مثال واحد للرد على ادعاءاته.

فمجلس الدفاع الاعلى الذي يرأسه رئيس الجمهورية امتنع أكثر من مرة عن اعطاء الاذن لاستجواب اللواء “طوني صليبا”، والسؤال هنا: اذا كنتم تثقون بنزاهة القاضي ووحدة معاييره، لماذا تمنعون استجواب صليبا؟

الاحتمال الباقي انه متورط بتهم الاهمال والتقصير، على أقل تقدير، فهل تحمون متهمًا بارتكاب جرائم القتل والتخريب والاحراق معطوفة على القصد الاحتمالي والاخلال بالواجبات الوظيفية، حسب معايير “البيطار” في الادعاء على الوزير السابق “علي حسن خليل”؟

يقول “ابن خلدون” في مقدمته الشهيرة: “فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدول”، فهل وصلنا مع العهد “القوي” إلى الحلقة الأخيرة من مسلسل “نهاية الدولة”؟

Leave A Reply